الأحد، 26 مايو 2013

من التجارب الأصيلة اللي بتصيب الصميم

هانية عَسوَد

مؤخراً بديت أحس إني هلا ويمكن لاول مرة بحياتي بفهم وجهة نظر اللي قال: "الوقت كفيل بكلشي."  ومع إني كل الوقت كنت رافضة أشوفها عبارة صحيحة لأني ولا مرة كنت بقيس المشاعر والعلاقات والذكريات لا بالزمن ولا بالمكان أو البعد.  وعلشان هيك برضه كنت برفض كل الوقت إني أقبل بأصحية المقولة اللي بتقول: "البعيد عن العين بعيد عن القلب."

ومثل كل الأمثال في العالم، هاي الجمل ما إنقالت من فراغ وبالتأكيد إجوا بناءاً على تجارب أصيلة أصابت أصحابها بالعمق.  وبالتالي أنا بفترض إنه مشكلة هالمقولات - للي عنده إشكالية معهم - هي إنه أغلب الناس بتكررهم وبتعززهم بمعناهم السطحي المباشر.  وبرضه مثل أي شيء تاني بالحياة، الشيء الوحيد اللي ممكن يخليني أقتنع بأصحية شيء (حتى لو مرحلياً) هو إني أقدر أفهمه من خلال معايشة تفاصيل من الواقع؛ من التجارب الأصيلة اللي بتصيب الصميم.

وعليه، فأنا بشوف إنه اللي مقصود في المقولة الأولى (الوقت كفيل بكلشي) مش الوقت بشكل حرفي أو بمعناه المجرد؛ اللي مقصود هو إنه ما يأتي مع و يحدث وما نعيشه ونشعر به خلال فترة من الزمن كفيل بإحداث تغييرات علينا وفينا سواءاً بإختيارنا أو غصب عنا وكنتيجة.  الحياة بتحصل عبر الزمن وبالتالي، وإحنا عم بنمارس الحياة، بنعيش وبنتعايش مع أحداث وبيحصل أفعال وردات أفعال وبنسمع قصص وبنشوف أشياء وبنكتشف تفاصيل وحقايق كلها أو بأغلبها مرتبطة بأشخاص وأماكن وقضايا بتخصنا أو بتهمنا.  وبالتالي أثر ما بيحمله الوقت من زخم للي بنعيشه وبنتعايش معاه كبشر - عقلانياً ونفسياً وعاطفياً - كفيل إنه يقربنا أو يبعدنا عن الشخوص اللي كانوا بوقت بحياتنا، أو يغير رأينا بموضوع أو حدث أو تجربة أو مكان أو يفرض علينا إننا نعدل شكل تعاطينا معهم لإنه مع الوقت بيصير أو بتتراكم تفاصيل جديدة بتفرض حالها علينا وعلى وعيينا وعلى مشاعرنا وبالتالي على ذاكرتنا وذكراهم.

أما المقوله التانية (البعيد عن العين، بعيد عن القلب)، فهي برضه ما بتقصد البعد بمفهومه المكاني أو المسافه الجغرافية بالمفهوم الحرفي.  اللي بعيد عن القلب، هو بعيد بقرار الشخص اللي حاسس هيك، أو اللي مش قادر يوصل لقرار أو سلام مع نفسه بفكرة وجود الآخر بحياته، أو اللي الآخر مسببله إشكاليات أو تعقيدات وبالتالي مش قادر يحس إنه بده يخليه بقلبه. 
الشخص اللي ممكن يبرر بعاد شخص عن قلبه بالبعد المكاني أو الجغرافي، اللي بيشوف البعد أهم أو بنفس قيمة أي شي تاني، هو نفسه اللي حاسس بالبعد عن الآخر أو يتوق لخلق هذا البعد، ويمكن بوقت ما بيصير البعد هو المبرر لإنه يقصي الآخر عن حياته أو إنه يقول أو يعمل أشياء تأذي مشاعره وتؤدي لإنحسابه - سواءاً بوعيه أو باللاوعي - أو لإنه يتهرب من مسؤولية إنه ينهي هذا البعد.  لكن اللي وجودنا بحياته إله قيمه حقيقية، مش نظرية ومش منقوصه، ومعبي قلبه وروحة، بيبقى شايفنا وحاسس فينا ومعانا حتى لو كنا بعاد؛ اللي معني فينا، بيخلي البعد يقربنا أكتر ويسعدنا أكتر بكل لقاء جديد بدل ما كل مرة يرجع يبث الشك والقلق فينا. 

لا الوقت ولا المسافة أو البعد ممكن يبقوا مبررات كافية لإنه الناس توجع وتستغني وتبيع وتنسى ناس بتهمها، ووجودهم بحياتها بيعطيهم وبيعنيلهم كتير؛ المبرر الحقيقي لإنه هالشيء يصير، هو إننا نقرر أو نختار أو ينفرض علينا بقرار وإختيار الآخرين.

مايو 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق